التشابك الكمومي- صراعات الشرق الأوسط بين المصالح المتضاربة
المؤلف: أسامة يماني08.31.2025

يكشف لنا هذا المقال عن منظور معقد للصراع الإيراني-الإسرائيلي، حيث تتشابك المصالح وتتداخل الروايات في مشهد سياسي أشبه بـ"الواقع الكمومي". يبدو الشرق الأوسط، وتحديدًا الصراع المحتدم بين إيران وإسرائيل، عالقًا في حالة من "اللا يقين الكمومي"، حيث تتداخل الاحتمالات وتتشابك التوقعات بشكل يجعل التنبؤ بالمستقبل مهمة شبه مستحيلة. في عالم تتقاطع فيه المصالح الجيوسياسية المعقدة مع الأيديولوجيات المتطرفة، يصبح كل سيناريو محتملًا، حتى تلك التي تبدو غير منطقية أو متناقضة للوهلة الأولى.
إن التشابك الكمومي في عالم السياسة يظهر جليًا عندما يتحول العدو إلى حليف. إحدى الظواهر الأكثر إثارة في الفيزياء الكمومية هي "التشابك الكمومي"، حيث يرتبط جسيمان ببعضهما البعض بشكل لا يمكن تفسيره وفقًا لقوانين الفيزياء الكلاسيكية. وبطريقة مماثلة، نشاهد في السياسة الدولية تشكيل تحالفات غريبة وتناقضات صارخة. فالدول التي تدعي محاربة الإرهاب تقدم الدعم لجماعات مسلحة، والأنظمة التي تتحدث عن السلام تلوح بتهديدات استخدام القوة النووية، والخصوم اللدودون يتحولون فجأة إلى شركاء عندما تتقاطع مصالحهم الآنية.
إسرائيل، على سبيل المثال، تعرب عن معارضتها لبرنامج إيران النووي، لكنها في الوقت نفسه تنخرط في تعاملات اقتصادية غير مباشرة تتقاطع مصالحها مع مصالح طهران في بعض الأسواق العالمية. وبالمثل، نجد أن الولايات المتحدة، على الرغم من عدائها الظاهر لإيران، أبدت استعدادها للدخول في مفاوضات معها في إطار الاتفاق النووي، بينما يشن حلفاؤها الإقليميون حروبًا بالوكالة ضد المصالح الإيرانية في المنطقة.
لا يمكن فهم تعقيدات الصراع في الشرق الأوسط بشكل كامل دون الرجوع إلى نظرية الفوضى، التي توضح كيف يمكن لحدث صغير أن يخلق تداعيات واسعة النطاق وغير متوقعة. لقد استخدم الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، هذه النظرية كأداة لتقويض الاستقرار الإقليمي، سواء من خلال دعم انقلابات عسكرية، أو إشعال حروب أهلية مدمرة، أو التلاعب بالاقتصادات المحلية لخدمة مصالحها.
الأكثر إثارة للاهتمام هو كيفية توظيف نظرية الألعاب في هذا الصراع، حيث يتم تحليل كل حركة بدقة لتقييم ردود الأفعال المحتملة. إسرائيل، على سبيل المثال، تطلق تصريحات حول "ضرب المفاعلات النووية الإيرانية"، ليس بالضرورة لأنها تنوي القيام بذلك، ولكن لاختبار ردود الفعل الإقليمية والدولية، وخلق بيئة من التهديد المستمر الذي يبرر أي إجراء لاحق قد تتخذه.
ما بعد الحداثة وتفكيك الهوية هي من بين أخطر الأدوات المستخدمة في الصراعات الحديثة، وتتجلى في شكل الحرب الناعمة، التي تستهدف العقل الجمعي للمجتمعات من خلال تفكيك الهويات وتشويه السرديات التاريخية. مشاريع مثل "الديانة الإبراهيمية" أو إثارة النعرات العرقية والطائفية ليست سوى محاولات لخلق واقع جديد تفقد فيه الشعوب ارتباطها بجذورها، وتصبح أكثر تقبلاً للهيمنة الخارجية.
لم يعد الغرب بحاجة إلى شن غزو عسكري مباشر لتحقيق أهدافه؛ بل يكفيه تفكيك البنى الاجتماعية والدينية القائمة، واستبدالها بقيم جديدة تخدم مصالحه. وهذا يفسر الهجوم المستمر على الإسلام كدين وهوية، ومحاولة استبداله بخطاب ديني مشوش يسهل التحكم فيه وتوجيهه. ومع ذلك، هذا لا يعني أن الخطاب الديني السائد لا يحتاج إلى نقد معمق وتمحيص دقيق.
السؤال الذي يفرض نفسه بإلحاح هو: هل يمكن الخروج من هذه المتاهة الكمومية المعقدة؟ والسؤال الأهم: هل يمكن للشرق الأوسط أن يتحرر من هذه الحالة الكمومية المعقدة، حيث تتداخل الأدوار وتتشابك المصالح بشكل معقد؟ الجواب يكمن في قدرة دول المنطقة على صياغة سرديات موحدة تقاوم التفتيت والتقسيم، واعتماد استراتيجيات ذكية تتجاوز لعبة "رد الفعل" التي يفرضها الغرب.
كما هو الحال في الفيزياء الكمومية، حيث يمكن للجسيم أن يوجد في حالات متعددة حتى لحظة القياس، فإن مصير الشرق الأوسط يبقى معلقًا بين احتمالات لا حصر لها. لكن القوة الوحيدة القادرة على "قياس" هذا الواقع وتحديد مساره هي إرادة شعوبه وتصميمها على مقاومة التلاعب الخارجي. وإلا، فستظل المنطقة أسيرة وساحة لتجارب القوى الكبرى، تعيش في دوامة لا تنتهي من الصراعات المفتعلة.